لم يعد قطار الرياض مشروع بنية تحتية ضخم فحسب، بل تحوّل إلى عنصر مركزي في السردية الجديدة للعاصمة؛ سردية تتسارع فيها خطوات التحول العمراني وتتقاطع فيها الفلسفة الجمالية مع الحياة اليومية.
وفي نسخة هذا العام من احتفال “نور الرياض”، بدا أن خطوط القطار ومسارات الضوء تشترك في مهمة واحدة: إعادة تعريف علاقة الإنسان بالمدينة عبر الحركة والاتصال والدهشة.
منذ اللحظة الأولى، كان شعار “في لمح البصر” تعبيراً دقيقاً عن هذا التلاقي بين النقل والفن؛ فالمدينة التي تتحرك بإيقاع سريع لم تعد تفصل بين العبور المادي والتجربة الحسية، بل بات الزمن نفسه جزءاً من المشهد الفني. ما يحدث داخل المحطات وخارجها هو نوع من الانخطاف البصري الذي يرافق حركة القطار؛ لحظة يتداخل فيها الضوء مع الذاكرة، ويتحوّل فيها الانتقال اليومي إلى تجربة تأملية تضع الزائر أمام سؤال الزمان والمكان معاً.
وعلى امتداد محطات ومسارات القطار، استقبلت مجموعة من الأعمال المشاركة في “نور الرياض 2025” مئات آلاف الزوار الذين يعيشون يومياً هذا التقاطع بين الوظيفة والخيال. كل محطة باتت مسرحاً لقراءة جديدة للمدينة، يتجاور فيها البعد الحركي مع البعد الإبداعي للأعمال الفنية.
ومع توسّع شبكة القطار، بات للمدينة إيقاع بصري جديد ينساب فوق الأرض وتحتها. فالانتقال عبر المحطات لم يعد مجرد حركة تختصر الزمن والمسافة، بل مساحة ينمو فيها الإدراك الحسي للمكان. وفي السنوات الأخيرة أخذت الرياض تتعامل مع الفضاء العام بوصفه جزءاً من هويتها الحديثة؛ فالشوارع والساحات والواجهات تُقرأ اليوم كمشهد واحد، يتغير مع الضوء والأنشطة الثقافية وتفاعل الناس معها. ولعلّ احتضان القطار لأعمال “نور الرياض” يكشف جانباً من هذا التحول، حيث يتحول مسار النقل إلى جزء من السرد الثقافي للمدينة، ويصبح المشاهد مشاركاً في تشكيل صورة الرياض الجديدة.
محطة stc
في محطة stc، إحدى أكثر المحطات كثافة وحضوراً، يتصدر فيها مجموعة من الأعمال الفنية لفنانين محليين وعالميين، ويتحرك الركاب بين الأرصفة وكأنهم يعبرون من وظيفة يومية إلى فضاء بصري يوقظ الحنين. الضوء هنا لا يزيّن المكان، بل يعيد صياغته. لقد تحوّلت المحطة إلى فضاء يُحرّك الذاكرة في لمح البصر، من صورة إلى أخرى، ضمن تجربة تنسجم مع إيقاع القطار السريع.
محطة المركز المالي (كافد)
في قلب المركز المالي، تتخذ واجهة المحطة شكلاً عمرانياً حديثاً؛ جدرانها الزجاجية ومساراتها المتعددة توفر بيئة مثالية لأعمال تعتمد على التفاعل الحي مع الفضاء، ومن أبرز الأعمال التي تتناغم مع طابع الموقع، عمل “توليفة” للفنان كريستوف بيرثونو، أحد الأعمال التي تعتمد على الضوء بوصفه حركة حية داخل النسيج العمراني.
يتحوّل محيط المحطة، خصوصاً الواجهة الخارجية، إلى عنصر بصري يمتد وينكمش في شبكة رقمية مُضاءة، فيبدو البناء المعماري وكأنه يعكس الصورة نفسها في طبقات من الضوء المتغير. وبفضل الموقع وارتفاعات المباني المحيطة، يصبح العمل جزءاً من المشهد الليلي للمركز المالي، لا مجرد تركيب فني داخل محطة.
مركز الملك عبدالعزيز التاريخي
يمثّل مركز الملك عبدالعزيز التاريخي إحدى المناطق التي تجمع بين حضور الذاكرة والتراث الممتد إلى الحاضر، الأعمال المعروضة في ساحاته وممراته تتعامل مع المكان بوصفه ذاكرة مفتوحة، تعتمد على إعادة رسم الظلال ومسارات الضوء حول العمارة التقليدية.
وفي هذا الموقع، تمر مسارات القطار محاذية للمنطقة، تتجاور الأزمنة، من تاريخ المدينة الأول، إلى حضورها الجديد اليوم. بذلك يصبح الضوء أداة لإعادة قراءة المكان، من خلال تكوينات تعبّر عن العلاقة بين الذاكرة والتحول العمراني.
محطة قصر الحكم
في منطقة قصر الحكم أحد أكثر المواقع رسوخاً في ذاكرة الرياض، تكتسب الأعمال المشاركة بعداً مختلفاً. فالحيّ الذي شهد تشكّل الهوية السياسية والاجتماعية والثقافية للمدينة يتحوّل مع نور الرياض إلى فضاء بصري يستعيد روح المكان بطريقة جديدة.

الأعمال المنتشرة حول المحطة، خصوصاً تلك التي تعتمد على إعادة تشكيل الواجهات والساحات، تجعل الزائر يقرأ المنطقة بعيون مغايرة، الضوء ينساب في الأزقة المحيطة ويبرز طبقات من العمارة التقليدية لم تكن مرئية في الإيقاع اليومي العابر. في هذا الموقع تحديداً، تتجلى قوة الشعار “في لمح البصر”؛ إذ تتداخل الأزمنة داخل لقطة واحدة، وتبدو المدينة وكأنها تروي نفسها من جديد.
الرياض
يمثّل الربط بين “نور الرياض” وقطار الرياض؛ وجهاً جديداً لفلسفة التحوّل التي تعيشها العاصمة، فالقطار الذي بدأ مهمته في تسهيل الحركة اليومية، أصبح اليوم محوراً لتجربة ثقافية تُعيد قراءة المدينة لذاتها، وبقدر ما يتحرك القطار على مساراته الثابتة، تنفتح المدينة على مسارات جديدة من الضوء والمشاهد الفنية، لتبلور سردية تعكس قدرة التحول وتعدد أبعاده، ليكون عميقاً وحاسماً وسريعًا “في لمح البصر”.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة المواطن ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من المواطن ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.
