عرب وعالم / الامارات / صحيفة الخليج

عام الأسرة.. يعيد الاستقرار إلى نواة المجتمع

في خطوة تعكس عمق رؤية القيادة الرشيدة واهتمامها بتعزيز ركائز المجتمع، جاء إعلان صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، لعام 2026 ليكون «عام الأسرة»، باعتبارها نواة البناء الاجتماعي وأساس الاستقرار والتنمية، وهو توجيه قيادي يؤكد وضع الأسرة في مقدمة أولويات التخطيط المجتمعي.

يرى خبراء، أن الأسرة الإماراتية تواجه مجموعة من التحديات المتشابكة، أبرزها ضعف التواصل بسبب انشغال كل فرد بعالمه الرقمي، لكنهم في الوقت نفسه اقترحوا حلولاً لمواجهة هذه التحديات، وتعزيز دور الأسرة في غرس القيم والعادات والتقاليد.

ويطرح د. إبراهيم الحوسني، أستاذ الاتصال الجماهيري السابق في جامعة عجمان وعضو لجنة خبراء التراث اللامادي بوزارة الثقافة، مجموعة من التوصيات التي يمكن أن تشكّل أساساً لبرامج «عام الأسرة 2026»، أبرزها استحداث جائزة سنوية لاختيار الأسرة الإماراتية المثالية وفق معايير تراعي مواجهة التحديات الحالية والحفاظ على القيم الأصيلة، على أن تكون الجائزة تنافسية ومستدامة عبر فعاليات تقيس مدى تبنيها لهذه المعايير عبر الممارسة الفعلية.

مراكز التنمية

اقترح د. الحوسني، إطلاق مشاريع في مراكز التنمية الاجتماعية لتعزيز دور الأسرة في غرس القيم والعادات واللغة والتقاليد الإماراتية في نفوس الأجيال القادمة، وأكد أن الاهتمام بالأسرة لم يولد مع هذا العام، فطالما كانت الأسرة الإماراتية هي عماد المجتمع وركيزته الأساسية، وعليها ترتكز جهود الدولة في تعزيز هويتها الوطنية وأمنها المجتمعي، وبناء مشاريع التنمية القائمة على وحدة المصير المشترك.

ولفت إلى أنه على الرغم من أن شكل الأسرة الإماراتية تأثر بمتغيرات العصر، إلا أن روح الامتداد العائلي بقيت حاضرة، مدعومة بسياسات الدولة التي وفرت أراضي سكنية واسعة سمحت بالعيش في نمط مترابط يعزز التماسك الاجتماعي وروح الوحدة في الدولة الاتحادية.

أما التحديات الفعلية التي تواجه الأسرة الإماراتية، يضع الحوسني على رأسها العولمة اللغوية والثقافية، حيث غلبت اللغة الإنجليزية وأنماط التعليم الغربية على بعض الأجيال الجديدة، وباتوا يتحدثون لغة لا تمثل هويتهم الأصيلة، فضلاً عن ظاهرة البذخ والاستهلاك المفرط التي طالت حتى الماء والغذاء.

وأضاف أن عادات الطعام الحديثة مثل الاعتماد على طلبات المطاعم وانفراد كل فرد بوجبة خاصة، أسهمت في تفكك واحدة من أهم قيم البيت الإماراتي وهي وجبة الغداء الجامعة، وهنا تبرز مسؤولية الجامعات والمؤسسات التعليمية في إعادة النظر في هذه السلوكيات والتوعية بمخاطرها على نسيج الأسرة، بدلاً من تعزيز تأثير العولمة داخل المدارس والجامعات.

ضعف التواصل

أوضحت الدكتورة عائشة الجناحي، الكاتبة والمدربة والمحاضرة في شؤون الأسرة والأبناء، أن الأسرة الإماراتية تواجه اليوم مجموعة من التحديات المتشابكة، في مقدمتها ضعف التواصل الفعّال بين أفرادها بسبب انشغال كل فرد بعالمه الرقمي أو متطلبات العمل، ما أدى إلى تراجع دور الحوار الأسري كأداة لحل الخلافات ومساندة الأبناء في شؤونهم العلمية والاجتماعية.

وأضافت أن الضغوط الاقتصادية وتسارع وتيرة الحياة العصرية من أبرز العوامل التي تقلل من جودة الوقت العائلي وتحد من التقارب بين أفراد الأسرة، ومع الانفتاح الثقافي وتغيّر القيم، يزداد العبء التربوي على الوالدين لضمان الموازنة بين الأصالة والحداثة في تربية الأبناء.

وترى أن مبادرات «عام الأسرة 2026» قادرة على تعزيز استقرار الأسرة الإماراتية من خلال تعيد الاعتبار لقيم الترابط والتواصل، وتدعم تمكين الوالدين في أداء أدوارهم التربوية بوعي يواكب متغيرات العصر، كما تدعو إلى تعزيز مفهوم «الأسرة المتماسكة رقمياً» عبر نشر وعي يساعد على الاستخدام المتوازن للتقنيات الحديثة، والاهتمام بالصحة النفسية والعاطفية داخل البيت الإماراتي.

برامج توعوية

أكدت عائشة الجناحي، أن الأسر اليوم باتت في حاجة ملحّة إلى برامج توعوية ودعم نفسي واجتماعي تتناسب مع طبيعة التحديات الحديثة، خاصة مع تسارع نمط الحياة والضغوط الاقتصادية والانفتاح الرقمي، مشددة على ضرورة وجود منظومة دعم موثوقة توفر مساحات للحوار والاستشارات، وتساعد الوالدين على التعامل مع أبنائهم بذكاء عاطفي وتربوي يعزز مناعة الأسرة ويحميها من التفكك.

ولفتت إلى الدور الحيوي الذي يؤديه الإعلام والمؤسسات المجتمعية في ترسيخ قيم الاستقرار الأسري، عبر بناء اتجاهات إيجابية وتقديم محتوى تربوي هادف يدعم القدوة، إلى جانب تنفيذ البرامج والمبادرات التي تعزز التواصل والتكافل بين أفراد المجتمع.

وشددت على أن «عام الأسرة» يمثل فرصة لتجديد العهد بالقيم الإماراتية الأصيلة، مؤكدة أن تقوية الروابط العاطفية داخل البيت وتخصيص وقت للإنصات والحوار وتبنّي نمط حياة متوازن هي أساس بناء أسرة مستقرة وقادرة على مواكبة التطور دون التفريط في الأصالة. وتقول: «استقرار الوطن يبدأ من دفء البيت، والأسرة الواعية هي حجر الأساس لمجتمع مزدهر ومستدام.

المنظومة القانونية

يعزز «عام الأسرة» مكانتها في المنظومة القانونية بالدولة، حيث يأتي هذا التخصيص امتداداً لحزمة من التحديثات القانونية في السنوات الماضية، ومن أبرزها تطوير قوانين الأحوال الشخصية، وتنظيم الحضانة والوصاية والنفقة.

هذا ما كشفه المحامي عبدالله بن حاتم، وأكد أن هذا الإعلان يعكس توجهاً وطنياً راسخاً نحو حماية الروابط الأسرية وترسيخ مبدأ «أفضل مصلحة الطفل».

وأشار إلى أن تمتلك منظومة قانونية شاملة لحماية الأسرة، تشمل قانون حماية الطفل «وديمة»، وقانون الحماية من العنف الأسري، إلى جانب تشريعات الأحوال الشخصية. وتوفر هذه القوانين إطاراً فعّالاً لمعالجة قضايا الطلاق وحماية المرأة والطفل وضمان التدخل السريع في حالات العنف. إلا أن التحديات الأسرية الحديثة تتجاوز حدود النصوص، ما يستدعي تعزيز برامج التوعية والإرشاد الأسري وتطوير الخدمات الاجتماعية وتسهيل آليات الإبلاغ لضمان التطبيق الأمثل لهذه القوانين. ويرى أن المنظومة القانونية الحالية تشكل قاعدة قوية، لكنها بحاجة إلى دعم مستمر في الميدان لضمان استقرار الأسرة وقدرتها على مواجهة الضغوط المتسارعة.

المرأة والطفل

فيما يتعلق بحقوق المرأة والطفل، يؤكد ابن حاتم، أن التشريعات الإماراتية تكفل منظومة واسعة من الضمانات التي تراعي كرامة المرأة وحقوقها في العمل والميراث والملكية والرعاية الأسرية وحمايتها من العنف، كما تمنحها الحق في اللجوء إلى أوامر الحماية وإجراءات التقاضي العادلة، فضلاً عن الاعتراف بدورها الرئيسي في الحضانة والرعاية. وفي المقابل، يحظى الطفل بحماية شاملة وفق قانون «وديمة»، الذي يضمن له حق التعليم والصحة والعيش في بيئة آمنة خالية من الإهمال وسوء المعاملة، مع إلزام الجهات المختصة بالتدخل الفوري عند وجود خطر، وتوفير الرعاية البديلة عند الضرورة.ويعتبر أن عام 2026 يشكل فرصة ثمينة لتعزيز الثقافة القانونية داخل الأسرة الإماراتية، من خلال برامج حكومية مكثفة تُعرّف الأفراد بحقوقهم وواجباتهم، وخاصة في مجالات الأحوال الشخصية وحماية الطفل والعنف الأسري، كما يدعو إلى إدماج الثقافة القانونية في المناهج الدراسية وأنشطة الطلاب، وإلى دور أكبر للإعلام ومنصات التواصل لنشر توعية مبسّطة حول الإجراءات القانونية وآليات حل النزاعات.

تطوير التشريعات

أكد عبدالله بن حاتم، أهمية تطوير التشريعات الداعمة للأسرة من خلال تحديث قوانين الأحوال الشخصية وتسريع الفصل في النزاعات، وتبسيط إجراءات الحضانة والنفقة، وتفعيل بدائل تسوية الخلافات قبل الوصول إلى المحاكم. كما يشدد على ضرورة تعزيز قانون الحماية من العنف الأسري، وتوسيع نطاق أوامر الحماية، وتوفير الدعم النفسي والاجتماعي للمتضررين. ويقترح دعم برامج الإرشاد الأسري للمقبلين على الزواج، وإنشاء قواعد بيانات موحدة لرصد الحالات المعرضة للخطر والتدخل المبكر لحمايتها، إلى جانب توسيع حملات الوعي القانوني وتفعيل دور المؤسسات التعليمية والإعلامية في نشر الثقافة القانونية، بما يعزز استقرار الأسرة الإماراتية ودورها المحوري في بناء مجتمع متماسك ومستدام.

رؤية القيادة

أكد د. سيف الغيص، رئيس اللجنة الحكومية الدولية لعلوم المحيطات في اليونسكو، أن تخصيص عام 2026 ليكون «عام الأسرة» يعكس رؤية القيادة وحرصها العميق على تعزيز استقرار الأسرة باعتبارها العمود الفقري للمجتمع. ويشير إلى أن الأسرة الإماراتية كانت في السابق مجتمعاً مصغراً مترابطاً، يجمعه بيت واحد وروابط قوية يسند فيها الأفراد بعضهم بعضاً، ويؤدي فيها الوالدان دورهما كركيزة أساسية لهذه الوحدة الاجتماعية، أما اليوم، ومع تحولات الحياة ومتطلباتها، تفرّقت أماكن عمل الأبناء، ولم يعد الجميع يعيش تحت سقف واحد، ما أدى إلى تراجع مستوى التواصل بين أفراد الأسرة.

وأضاف أن من أبرز التغيرات الاجتماعية انشغال الأمهات بدورهن الحيوي في نهضة الوطن، وهو امتداد طبيعي لمسيرة الأمهات والجدّات اللواتي أسهمن في بناء جيل يقود حاضر الدولة. إلا أن انشغال الوالدين معاً لدى بعض الأسر قد يؤدي إلى فجوة تربوية تمسّ منظومة القيم، وتؤثر في احترام الأبناء لوالديهم وتماسك الأسرة بشكل عام.

وأشار إلى أهم التحديات التي تواجه الأسرة اليوم ضعف الالتزام بالقيم والعادات الأصيلة التي نشأ عليها جيل المؤسس، وأشار إلى دور «المدارس الدينية الصيفية» سابقاً في صقل شخصية الطلبة وتعزيز احترام الأسرة والمجتمع وممتلكاته. وفي هذا السياق، يقترح إنشاء مدارس أو حصص مسائية تُعنى بتعليم أفراد الأسرة أهمية الترابط الأسري، وترسيخ القيم الإماراتية التي كانت ولا تزال أساس قوة المجتمع.

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا