عرب وعالم / الكويت / بوابة المصريين في الكويت

القوانين الجزائية لا تواكب الذكاء الاصطناعي

على خلفية الأنباء التي عرضها عدد من المختصين في مجال الذكاء الاصطناعي من أن ثورة البرامج المقبلة، قد تطال الكشف عن بعض البيانات والمعلومات الخاصة للأفراد أو الكيانات، سواء كانت مالية أو اجتماعية، أو بعضاً من الأحداث ذات الطابع الخاص، مما قد يسببه ذلك العرض من كشف عن الخصوصية وإفشاء الأسرار الشخصية للباحثين عن المعلومات، أو حال عرضها للعلن عبر منصات الإعلام أو شبكات التواصل الاجتماعي.

ومثل ذلك التصور المخيف يثير جملة من التساؤلات المهمة، على وقع الأحداث المتوقّعة، حال نجاح تلك الأساليب المتطورة في النيل من الحياة الخاصة وبيان دور القانون، بل والقضاء، في مواجهة تلك المتغيرات، لاسيما على صعيد الحق في الخصوصية.

ومثل تلك التخوفات تواجهها التشريعات الحالية، بتواضع لا يليق باندفاع محركاتها، التي تسير بسرعة لا يمكن التنبؤ أو التصور معها في إيجاد نوع وحجم الكوابح الملائمة لها.

إذا كان السائل يستهدف في أسئلته التشهير أو الإساءة أو نشر الأخبار المضللة والكاذبة عن إحدى الشخصيات وتم نشر تلك الردود على الكافة فيعاقب بالقانون

وحق الخصوصية ليس وحده الذي سيكون عُرضة للانتهاك، بل سائر الحقوق اللصيقة في شخص الإنسان، وسط صمت وتوقّف العقل البشري عن إدراك حجم الأضرار والخسائر، التي سيوقعها ذلك الاندفاع الاصطناعي، وحينها نسأل من أين نبدأ حصر الأضرار؟!

قد يكون اندفاع الذكاء الاصطناعي مطمعاً للعديد من الباحثين عن المعلومات الخاصة، أو تلك المتصلة بالتحري، بما قد يسفر عن ضبط العديد من المشتبه بهم، أو ممن لهم صلة بأحداث وقعت أو حضروا فيها، أو أن إشارات هواتفهم أبلغت عن أسرار اتصالاتهم أو مدى اتصالهم بأطراف مشتبه بهم، وهو ما قد يسمح بضبط من لا علاقة له، أو وضعه تحت الرقابة، وربما ضبطه والقبض عليه لمجرّد معاصرته للحدث، أو ارتباطه به على نحو عرضي، وهو ما قد يثير أمر مشروعية الاستعانة بتلك البرامج في ضبط المتهمين، بعد أن ساهمت في ربط صلتهم بأحداث جنائية!

كما يثور التساؤل عن جواز التحري بتلك البرامج عن المطلوبين أمنياً، طالما أسهمت في الكشف عن أسرار الناس والنيل من حياتهم الخاصة، وما هو أثر تلك التحريات على تأمين المحاكمة العادلة للمتهمين؟

ورغم مشروعية حق التحري لرجال الأمن للضبط عن الجرائم، فإن هذا الحق مقيد بعدم المساس بخصوصية الناس وإخضاعهم لأي قيود إجرائية أو احترازية، بعيداً عن جهات التحقيق القضائية، وهو الأمر الذي يثير عدم جواز التحري على نحو مباشر للأشخاص من قبل رجال البحث والتحري، طالما لم يطلبوا إذناً من جهات التحقيق القضائية، لإخضاع المطلوبين للتحري والتحقيق على نحو مباشر، بينما جمع المعلومات الأولية عن الجريمة، لتكوين شكل التحريات وتصوّرها والحصول على إذن، فهو أمر يدخل في مرحلة الجمع الذي لا يتطلب الإذن القضائي في الحصول عليه، لكون المتحري لم يدخل في ساحة الخصوصية الشخصية بكامل صورها، وهي المساحة التي عناها المشرّع الدستوري والعادي بسياج من الحماية، وحرّم التعدي عليها، من دون إذن من جهات التحقيق القضائية، وبناء على قضية معروضة أمامها.

إذا كانت العبارات التي أظهرها «الذكاء» مسيئة على نحو لم يتوقعه السائل فهنا لا يمكن مساءلته قانونياً

وعليه، إن كانت البيانات الخاصة عن المتحري هي من البيانات العامة والمعلن عنها، فلا يُمنع الاستعانة بها عند التحري، خصوصاً أن التحريات هي مجرد معلومات لا يقبل جدواها أو حقيقتها، ما لم يساندها دليل أو قرينة في أوراق القضية تعزّز من سلامتها، ولذلك، فالمعلومات التي تكشفها الذكاء عن الأشخاص لا تعدو أن تكون معلومات تحتمل الصدق كما تحتمل الكذب، ولا يُعتدّ بها كمعلومات وحيدة على إثبات الواقعة الجنائية للشخص المشتبه به.

كما يثور تساؤل آخر، هو: هل تصلح التقارير المعلنة للكافة بأي برامج إعلامية والتي تصدرها برامج الذكاء الاصطناعي لأن تكون سنداً لقضية التشهير؟ بمعنى أن هناك شخصاً يسأل برامج الذكاء علناً عن شخص محدد، ويجيب الذكاء الاصطناعي بمعلومات كاذبة وخاطئة، فهل يُعاقب السائل عن تلك المعلومات الخاطئة التي زوده بها الذكاء الاصطناعي بشكل علني؟ أم أنه لا يساءل، لكونه وجّه السؤال فقط، ولا يتحمل عاقبة المعلومات الكاذبة التي تضمنها التقرير؟

والإجابة عن هذه المسألة يجب التفريق بها بناء على فرضيتين للوصول إلى مسؤولية الأشخاص، وهي:

أولاً: إذا كان السائل يستهدف في أسئلته للذكاء الاصطناعي التشهير أو الإساءة أو نشر الأخبار المضللة والكاذبة عن إحدى الشخصيات، وتم نشر تلك الردود على الكافة، فإنه يساءل جنائياً عن ذلك الفعل، باعتباره ضمن جرائم تقنية المعلومات المعاقب عليها وفق قانون جرائم تقنية المعلومات رقم 2015/68، فضلاً عن قانون هيئة الاتصالات رقم 2014/37، وذلك لأن عنصر النشر تحقق في عرض الأسئلة أو التقارير، التي تتضمن الإساءة أو التعدي على نحو يسيء للمجني عليه، لاسيما أن السائل عرض تلك المحادثات على نحو يسمح باطلاع الكافة عليها، وهو ما قد تستظهره المحكمة من قصد الكاتب أو الناشر الإساءة للمجني عليه، ولا يغيّر من ذلك تمسّك الكاتب أو السائل لبرامج الذكاء من أن العبارات الشائنة وردت من برامج الذكاء، وليس منه هو، فإنه لولا علنية المحادثات وعرض الأسئلة المسيئة منه لما تحقق عنصر العلانية بالإساءة، خصوصاً أن ذلك أمر بالإمكان توقّعه من الناشر.

ثانياً: بينما الفرضية الثانية التي تثار هنا، وهي إذا كانت العبارات التي أظهرها الذكاء تتضمن عبارات مسيئة، ولكن على نحو لم يتوقعه أو يساهم فيه الكاتب أو السائل، فهنا لا يمكن مساءلته، لانتفاء القصد الجنائي أو ما يشير إلى ثبوت نيته للإساءة إلى المجني عليه، ومثل هذه الحالة تفتقر إلى التشريع أو المسوغ القانوني، وتتطلب التدخل التشريعي من قبل المشرّع.

وبشكل عام، فإن قواعد القوانين الجزائية والقوانين الخاصة لا تواكب التطور السريع في استخدام الذكاء الاصطناعي، سواء تم استخدامه بشكل مباشر للأفعال الجزائية المحظورة، أو من خلال مساهمته غير المباشرة في ارتكاب الجرائم، ويجب على المشرّع أن يتنبه لهذا الأمر، وتعديل التشريعات على نحو يلائم هذا التطور.

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة بوابة المصريين في الكويت ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من بوابة المصريين في الكويت ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا