أعمال سناء هيشري تبرز الإماراتيات ملهمات لمسيرة إنسانية
حينما تتحول الألوان إلى ذاكرة، وتغدو اللوحة مرآة تعكس الماضي والحاضر والمستقبل معاً، تولد تجربة فنية تحمل المرأة الإماراتية في قلبها، كجذع شجرة راسخة تمتد جذورها في الأرض، وتعلو أغصانها نحو السماء، لتثمر أجيالاً تصنع التاريخ.
من هنا تنطلق أعمال الفنانة التشكيلية سناء هيشري، التي اختارت أن تجعل من الإماراتية رمزاً يتجاوز الحدود، وصوتاً يُلهم العالم.
في قلب اللوحات الفنية، حيث يتعانق اللون مع الضوء، تقف الإماراتية شاهدة على رحلة وطن، وملهمة لمسيرة إنسانية، تتجاوز حدود الزمان والمكان.
في أعمال سناء هيشري، تتحول المرأة من مجرد ملامح إلى رمز متجذر، يختصر الحكاية الكبرى للإمارات، التي آمنت بأن تمكين المرأة ليس خياراً، بل قدر حضاري ورؤية تنموية متجددة.
هذه الأعمال لا تكتفي برسم صورة واحدة، بل تقدّم ثلاث صور متكاملة: الجدة، الأم، والابنة. ثلاثة أجيال تتجاور على سطح اللوحة، لكنها في عمقها تتحاور وتتكامل. الجدة ذاكرة الماضي، تحمل الحكايات الأولى، والأم قوة الحاضر التي تبني وتوازن، أما الابنة فهي أفق المستقبل الذي يزهر بجرأة وإبداع.
بهذا البناء التشكيلي، تقدّم هيشري سردية بصرية تُجسّد رؤية «أم الإمارات» سموّ الشيخة فاطمة بنت مبارك، التي جعلت من المرأة شريكاً رئيسياً في مسيرة التنمية، في معادلة متوازنة «50:50»، حيث يتساوى العطاء وتتضاعف النتائج.
ولعل المثل الفني الذي صاغته سناء هيشري خصيصاً لهذه التجربة يُضيء فلسفتها بعمق:«الأجيال الثلاثة في وجه المرأة هي مرآة وطن: جذور تحفظ، أغصان تبني، وثمار تلهم».
إنه أكثر من مجرد جملة، إنه إعلان جمالي عن دور المرأة في صناعة هوية الإمارات، حيث الماضي لا يبهت، والحاضر لا يلين، والمستقبل لا يخاف.
تقنيات جريئة
لأن الفن مرآة الروح، فقد اختارت سناء هيشري في أعمالها تقنيات جريئة تُشبه تمرد الضوء على العتمة. فهي تعتمد على الرمي المباشر للألوان على القماش، لتترك لها حرية الانسياب والتداخل، ثم تعيد تشكيلها بحركات مدروسة تمنح اللوحة عمقها الإنساني. ألوانها زاهية وقوية في آن واحد: الأحمر يعكس شجاعة المرأة، الأزرق يحمل هدوءها وعمقها، الأصفر يضيء كإشراق المستقبل، أما الأبيض فيتسلل كرمز للنقاء والأمل. هذه التقنية، التي تقوم على المزج بين الحرية والانضباط، هي ما يمنح أعمالها طابعها الفريد، ويجعل اللوحة تنبض بالحياة كما لو كانت كائناً حياً يتنفس.
الكيان الكامل
تقول سناء هيشري في لوحاتها إن المرأة ليست نصف المجتمع كما اعتادت العبارات التقليدية أن تردد، بل هي الكيان الكامل الذي يوازن ويصوغ ويعيد تشكيل العالم من جديد. فالمرأة الإماراتية، كما تراها هيشري، ليست متلقية للتاريخ، بل صانعة له، وليست ظلاً للرجل، بل شريكته التي تسير بجانبه في طريق البناء.
وقد لا يكون من المبالغة القول إن تجربة سناء هيشري نفسها تعكس هذه الفلسفة. فمنذ أكثر من خمسة عشر عاماً، وجدت في الإمارات بيتها الفني الثاني. هناك أقامت معارض، وأشرفت على ورش لتعليم الفنون الجميلة، وقدّمت خبرتها لعشرات الجنسيات القادمة من كل أصقاع العالم. الإمارات بالنسبة إليها لم تكن مجرد مكان للعرض، بل كانت فضاءً يحتضن التجربة، وبيئة خصبة تجعل الفنان يزهر ويتجدد. وما زالت الإمارات، إلى يومنا هذا، تفتح أمامها الأفق لابتكار لغة تشكيلية قادرة على أن تكون جسر تواصل بين الثقافات.
إن اختيارها لموضوع المرأة الإماراتية ليس صدفة، بل هو تعبير عن وفاء لتجربة شخصية، وامتنان لوطنٍ رأى في الفن رسالة، وفي المرأة شريكاً، وفي التنوع الثقافي ثروة إنسانية. ومن هنا، تصبح اللوحات نفسها وثائق بصرية تحمل للعالم رسالة الإمارات: أن التمكين ليس شعاراً سياسياً عابراً، بل رؤية مستمرة، تتجسّد في تفاصيل الحياة، وفي ملامح الأجيال، وفي كل يد تبني، وصوت يُبدع، وحلم يتجدد.
الفن، في النهاية، كما تؤمن به سناء هيشري، ليس مجرد ألوان تُسكب على القماش، بل هو كتابة أخرى للتاريخ، بلغة أكثر صدقاً وخلوداً. ولوحات «مرايا الوطن» شهادة حيّة على أن الإماراتية استطاعت أن تكون أكثر من أيقونة، إنها ذاكرة، وهوية، ورسالة تمتد من الإمارات إلى العالم، دعوة صريحة إلى الشراكة والعمل والإلهام.
إبداعات متنوعة
سناء هيشري أديبة، باحثة وفنانة تشكيلية بلجيكيّة من أصول تونسيّة درست في الأكاديمية الملكية للفنون الجميلة ببروكسل، عضو في اتحاد الفنانين التشكيلين التونسيين.
وخلال مسيرة عقدين في مجال الفن التشكيلي والتدريس لقواعد وتقنيات الفنون الجميلة أقامت معارض فنية وفعاليات ودورات تدريبية وورشاً بين العاصمة البلجيكية بروكسل ودبي وتونس، كما تحصّلت على العديد من الجوائز تقديراً وتكريماً لمساهمتها في تطوّر الفن التشكيلي في البلدان العربية، إضافة إلى مشاركتها في لجان التقييم للمسابقات التشكيليّة.
وقد صدر لها كتاب جديد عن دار نقوش عربية للنشر تحت عنوان: «نضال من ألوان» ووقعت كتابها بمدينة الثقافة تونس، ووضعت فنّها التشكيلي لخدمة قضيّة اجتماعية وذلك من خلال تبرّعها بجميع مبيعات كتابها لديار الأيتام.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.