عرب وعالم / الامارات / الامارات اليوم

الانسحاب الأميركي المحتمل من الشرق والتوجه غرباً يهددان استقرار آسيا

تشير التحركات الأخيرة لإدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إلى تغيّر محتمل في الاستراتيجية الكبرى للولايات المتحدة، التي توحي بنيّة واشنطن الانسحاب تدريجياً من التزاماتها في نصف الكرة الأرضية الشرقي، وبينما لم يتضح بعد ما إذا كان هذا التوجه سيشمل انسحاباً فعلياً للنفوذ الاستراتيجي الأميركي من منطقة آسيا والمحيط الهادئ، فإن حدوثه ستكون له آثار كارثية على استقرار هذه المنطقة الحيوية.

وبحسب تقارير إعلامية، فإن استراتيجية الأمن القومي المرتقبة لإدارة ترامب تخالف التوجهات التقليدية، حيث تمنح الأولوية لحماية الأمن الداخلي ومجابهة التهديدات في نصف الكرة الأرضية الغربي، متجاهلة إلى حد كبير التحديات القادمة من .

ويبدو أن هذه الاستراتيجية تأتي في أعقاب سلسلة من التصريحات والإجراءات التي تشير إلى رغبة واشنطن في تعزيز نفوذها داخل محيطها الجغرافي المباشر، وهو ما يتجلى في اهتمامها بضم كندا وغرينلاند وقناة بنما، وإعادة تسمية «خليج المكسيك» إلى «خليج أميركا»، إلى جانب إرسال سفن حربية أميركية إلى سواحل بهدف الضغط على حكومة نيكولاس مادورو.

وفي أوروبا، تراجع البيت الأبيض عن لعب دور القيادة التقليدي الذي تبنته الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية، حيث ابتعد عن الالتزام الكامل بحلف شمال الأطلسي «الناتو»، وأظهر فتوراً في مواجهة روسيا في ظل الحرب الجارية في أوكرانيا.

كما قررت واشنطن وقف تمويل البرامج الهادفة إلى تعزيز قدرات أوروبا الدفاعية في وجه أي تهديد روسي محتمل، ولا يقتصر هذا التغيير في التوجه على السياسة فحسب، بل يمتد ليشمل انقساماً أيديولوجياً متزايداً بين واشنطن وباقي أعضاء «الناتو».

تنافس مع الصين

هذا التوجه الاستراتيجي يعكس رغبة متنامية في تمركز الولايات المتحدة داخل نطاقها الجغرافي، والتخلي عن دورها كـ«شرطي عالمي»، تاركة إدارة الأزمات الإقليمية للقوى الكبرى المحلية، إلا أن هذا التغيير يثير تساؤلات جوهرية حول مستقبل التزاماتها في آسيا، حيث يرى البعض أن استمرار التنافس مع الصين على النفوذ الاستراتيجي يجب أن يظل أولوية حتى لو تخلّت الولايات المتحدة عن التزاماتها في مناطق أخرى.

وعلى الرغم من الحديث عن الانسحاب لاتزال بعض مظاهر الاستمرارية قائمة في سياسة الولايات المتحدة تجاه آسيا، حيث تواصل واشنطن تعاونها الأمني مع حلفائها الإقليميين، وتعمل على تعزيز قدراتهم الدفاعية بهدف إشراكهم في تحالفات مستقبلية ضد أعدائها.

كما تم توقيع اتفاقيات أمنية جديدة مع وكوريا الجنوبية وأستراليا، للمساعدة في تعويض التراجع في قدرات الصناعة الدفاعية الأميركية.

أعباء

عدد من كبار المسؤولين الأميركيين، من بينهم الخارجية القائم بأعمال مستشار الأمن القومي، ماركو روبيو، ووزير الدفاع، بيت هيغسيث، ووكيل وزارة الدفاع للشؤون السياسية، إلبريدج كولبي، أكدوا ضرورة استمرار التصدي لمحاولات الصين فرض هيمنتها في آسيا.

ومع ذلك، يبدو أن هناك تردداً ملحوظاً في إدارة ترامب بشأن فرض النظام الإقليمي الذي تقوده الولايات المتحدة في المنطقة، ففي الوقت الذي تمثل فيه العلاقات مع الحلفاء أصولاً استراتيجية مهمة، كثيراً ما يُنظر إليهم في واشنطن كأعباء اقتصادية، وليس كشركاء فاعلين في أمن الولايات المتحدة.

وكثيراً ما عبر ترامب عن ضيقه من التكاليف المرتبطة بالتعاون العسكري مع حلفائه في آسيا، مشيراً إلى أن كوريا الجنوبية واليابان وتايوان تستفيد من المظلة الدفاعية الأميركية من دون مقابل كافٍ، بل ويعتبر التدريبات العسكرية المشتركة مع كوريا الجنوبية «مضيعة للمال».

كما تحدث عن رغبته في سحب القوات الأميركية من شبه الجزيرة الكورية، في محاولة للحد من استفزاز كوريا الشمالية، رغم أن هذه الخطوة ستُضعف الردع الأميركي في المنطقة.

المصالح الاقتصادية

وعلى الصعيد الاقتصادي، أظهرت سياسة ترامب ميلاً لتقديم المصالح الاقتصادية على الحسابات الاستراتيجية، حيث فرضت إدارته رسوماً جمركية على حلفائها في آسيا، بما في ذلك أستراليا التي تسجل فائضاً تجارياً لصالح الولايات المتحدة، كما أدى خلاف مفاجئ مع الهند إلى تقويض سنوات من الجهود الرامية لبناء شراكة استراتيجية مع نيودلهي، وهو ما دفع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى التقارب مع كل من الصين وروسيا.

أما السبب الأهم وراء الانسحاب الأميركي المحتمل من آسيا، فهو ما يُعتقد أنه رغبة لدى ترامب في التوصل إلى صفقة تجارية ضخمة مع الصين، وهو الأمر الذي حاول القيام به، لكنه فشل في القيام به مع «صفقة المرحلة الأولى» في عام 2020.

ويبدو أن التلويح بإمكانية إنهاء الممارسات الأميركية مثل دوريات «حرية الملاحة» في بحر الصين الجنوبي ومضيق تايوان، ورحلات المراقبة بالقرب من الساحل الصيني، وتقليص الدعم العسكري لتايوان، من شأنه أن يمنح ترامب نفوذاً هائلاً للمطالبة بتنازلات من الصين يمكن الترويج لها على أنها انتصار اقتصادي للولايات المتحدة.

نتائج محتملة

في حال تم هذا السيناريو فإن أولى نتائجه المحتملة ستكون ضم الصين لتايوان خلال السنوات القليلة المقبلة، سواء عبر التفاوض أو من خلال ضغوط عسكرية متصاعدة، ربما تبدأ بحصار تدريجي طويل الأمد، وسيُنظر إلى هذه النتيجة في شرق آسيا باعتبارها دليلاً دامغاً على انتهاء حقبة القيادة الأميركية، ما يدفع الدول في المنطقة إلى إعادة تقييم مواقفها، وبناء علاقات أوثق مع الصين.

وستكون النتيجة التالية والأكثر ترجيحاً زوال التحالف بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة، وفقدان الثقة بالمظلة النووية للولايات المتحدة، وبالتالي دفع كوريا الجنوبية إلى تطوير ترسانتها الخاصة من الأسلحة النووية. وقد أظهرت استطلاعات رأي أخيراً أن غالبية الشعب الكوري الجنوبي يؤيدون هذا التوجه.

ورغم العوائق الكبرى التي ستواجهها سيؤول، بما فيها التكاليف المالية الهائلة، والانتقادات الدولية، والمخاطر المرتبطة بإمدادات الوقود النووي فإن استمرار التهديد النووي من كوريا الشمالية، التي باتت تعتبر كوريا الجنوبية «دولة معادية»، قد يجعل هذا الخيار مقبولاً.

وقد يدفع هذا التوجه كوريا الشمالية إلى محاولة عرقلة الخطط النووية لجارتها الجنوبية، الأمر الذي قد يُشعل توترات غير مسبوقة في شبه الجزيرة الكورية.

ومع دخول اليابان على الخط، ربما تتجه هي الأخرى لتطوير ترسانة نووية، لاسيما إذا انسحبت الولايات المتحدة من التزاماتها الدفاعية تجاه طوكيو في ظل تصاعد النفوذ الصيني في المنطقة.  عن «الدبلومات»

فرصة

تدّعي الصين أن انسحاب النفوذ العسكري الأميركي سيجلب السلام إلى آسيا، وقد تكون هناك فرصة لاختبار هذه الفرضية قريباً، حيث تقوم الفكرة الأساسية وراء هذه الاستراتيجية الأميركية الجديدة على أن انسحاب الولايات المتحدة من دورها ضامناً أمنياً عالمياً سيوفر لها موارد أكبر للتركيز على مصالحها الاقتصادية، بينما تترك القوى الإقليمية تدير شؤونها بنفسها، ويُفترض أن هذا النهج سيؤدي إلى عالم أكثر استقراراً وتوجها نحو التجارة، والافتراض أن هذا النهج سيؤدي إلى عالم ينعم بالسلام الكافي للتجارة الحرة، ومن غير المرجح أن يهدد الدولة الأميركية.

لكن إذا كان التاريخ الحديث قد علمنا شيئاً، فهو أن ترْك الساحة للقوى الإقليمية المتنافسة، من دون توازن خارجي، يؤدي غالباً إلى الفوضى وليس إلى السلام.

• استراتيجية الأمن القومي المرتقبة لترامب تمنح الأولوية لحماية الأمن الداخلي، ومجابهة التهديدات في الغرب متجاهلة التحديات القادمة من الصين.

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة الامارات اليوم ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من الامارات اليوم ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا