على الرغم من أن حرب روسيا وأوكرانيا هي أكثر الصراعات التي تم فيها استخدام طائرات «الدرون» على نحو شامل في القرن الـ21، حيث كان ذلك يمثل نقطة انعطاف في تاريخ الحرب الحديثة، وباتت طائرات «الدرون» تغطي على دور الطائرات الحربية التقليدية.
إلا أن تداعيات هذا الواقع لم تتجاوز حدودها إلا أخيراً، ففي أغسطس الماضي، أكد مسؤولون بولنديون أن طائرات روسية مسيّرة اخترقت مجالهم الجوي، قبل إسقاطها قرب الحدود.
في الوقت نفسه، أفادت تقارير باستهداف مطارات دنماركية ونرويجية بعمليات تعطيل يشتبه في أنها ناجمة عن طائرات مسيّرة، والتي وصفها محللون محليون بأنها على الأرجح مدعومة من «الكرملين».
وفي الواقع هذه الحوادث ليست عمليات استفزاز منعزلة، فهي تعتبر اختبارات، وتختبر قدرات حلف «الناتو» الدفاعية ضد شكل متطور من الحرب.
ومع تزايد قلق القادة العسكريين الغربيين إزاء سرعة تطور ساحة معركة الطائرات المسيّرة، يواجه الحلف ضرورة واضحة، ويجب عليه دمج ابتكارات أوكرانيا الحربية في دورات التخطيط والإنتاج الدفاعية الخاصة به، حيث إن ذلك سيؤدي إلى تطوير هذا النوع من السلاح المستخدم حديثاً في الحرب، خصوصاً أن أوكرانيا أصبحت تمتلك خبرات عملية واسعة من خلال المعارك التي خاضتها، والتي امتدت لسنوات.
وأدخلت هذه الحرب بين روسيا وأوكرانيا تحولاً جذرياً في حرب الطائرات المسيّرة، لدرجة أن الولايات المتحدة، بصناعتها الدفاعية الضخمة وجيشها المتطور، واجهت صعوبة في التكيف مع الواقع الجديد للاستخدامات المتعددة لطائرات «الدرون».
وتتفوق واشنطن في صنع الطائرات المقاتلة والدبابات والصواريخ المتطورة دقيقة التوجيه. ومع ذلك، عندما يتعلق الأمر بالإنتاج الضخم لأنظمة رخيصة الثمن وقابلة للاستبدال بوتيرة سريعة، فإن أميركا تتخلف عن الركب. كما تفتقر القوات الأميركية إلى الخبرة القتالية في عمليات الطائرات المسيّرة التي اضطر الجنود الأوكرانيون إلى اكتسابها، بالنظر إلى أنها باتت عنصراً أساسياً في الحروب الحديثة هذه الأيام، نظراً لرخص ثمنها وسهولة حركتها.
واعترف «البنتاغون» بالفجوة الناجمة لديه في هذا المجال. وفي يوليو الماضي، وجّه وزير الدفاع، بيت هيغسيث، مذكرة إلى كبار الضباط، تحدد خطة لتسريع اعتماد الجيش الأميركي للطائرات المسيّرة، وتحديثها بحيث تلائم متطلبات الحروب المقبلة.
ومنذ ذلك الحين، بدأت القوات الأميركية بتجربة طائرات مسيّرة مطبوعة بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد، والتدريب على أجهزة المحاكاة. وتعد هذه خطوات مهمة، لكنها تؤكد أيضاً على حقيقة مقلقة، مفادها أن أميركا تُسابق الزمن للحاق بالركب، ومواكبة الأجيال الحديثة من طائرات «الدرون» التي انتشرت هذه الأيام.
وبالمقارنة، عززت أوكرانيا منظومة ديناميكية لتطوير الطائرات المسيّرة، تتسم بالمرونة والتطور السريع. ووفقاً لوزارة الدفاع الأوكرانية، فإن أكثر من 95% من الطائرات المسيّرة المنتشرة على خطوط المواجهة يتم تصنيعها محلياً. وما يجعل هذه الأنظمة فعالة بشكل خاص هو دورة الابتكار السريعة التي تنتهجها مصانع الأسلحة الأوكرانية.
وعلى الرغم من أن عملية تأمين هذا السلاح بالنسبة لـ«البنتاغون» تستغرق سنوات، وربما عقوداً، إلا أن الشركات الأوكرانية غالباً ما تقوم بإعداد التصميمات في أسابيع، وربما أيام في بعض الحالات، بفضل «التغذية الراجعة» من الجنود في الخطوط الأمامية، الذين يتعلمون خبرة حقيقية من ميدان المعركة، وما يمكن أن يحتاجوا إليه للمساعد في تكتيك الهجوم، والدفاع.
واستناداً إلى حلقة «التغذية الراجعة» هذه، يتم تصميم النماذج الجديدة بما يتناسب مع واقع ساحة المعركة، مثل التشويش الإلكتروني، وحرب الخنادق، والأجواء المتنازع عليها. وفي كثير من الحالات، تتفوق الطائرات الأوكرانية المسيّرة الآن على البدائل التجارية الغربية تحديداً لأنها مصممة للحرب، وليس للاستعراضات في أوقات السلم.
وربما يكون أحد أوضح الأمثلة على ذلك هو قيام أوكرانيا بتطوير طائرات «درون» للقتال الليلي. ويطلق على القاذفات الليلية التي يتم استخدامها وقت الليل، على نحو جماعي، لقب «بابا ياغا»، وهي تُعرف في الفولكلور السلافي في أوكرانيا بأنها «امرأة عجوز شريرة مخيفة يقال إنها تأكل الأطفال»، وقد أصبحت من بين أكثر الأسلحة إثارة للخوف في ميدان المعركة.
وتجمع الطائرات المسيّرة الثقيلة، مثل «كازان بات» من شركة «رياكتيف درون»، بين القدرة على قصف الأهداف المعتادة والقدرة على حمل قذائف المدفعية المطابقة لمعايير حلف «الناتو»، وقذائف الدبابات، والألغام.
وبخلاف العديد من «الدرون» الغربية التجارية، فإن الهدف الذي تم صنع درون «الكازان» من أجله هو القتال، وهي مزودة بكاميرات حرارية، وتعمل في ضوء النهار، كما أن هذه الطائرة مثالية للاستخدام الليلي والنهاري، بفضل جهاز راديو محلي الصنع، وقدرتها على التنقل السريع في إحداثيات محددة مسبقاً، وتتمتع «كازان» بمرونة عالية ضد أنظمة الحرب الإلكترونية، وقادرة على أداء مهامها، حتى في مواجهة محاولات التشويش. وتؤكد مصادر أوكرانية أن هذه الطائرات المسيّرة تم اختبارها في ظروف المعارك الحقيقية، وهو شيء من النادر أن تمتلكه طائرات «الدرون» الغربية قبل نشرها في العمليات العسكرية.
ومع اقتراب موسكو شيئاً فشيئاً من المواجهة مع حلف «الناتو»، يدرك الحلف أن قطاع الدفاع الأوكراني هو بمثابة رصيد استراتيجي بحد ذاته. ويبدو أن مستقبل الحروب الحديثة سيكون بدون استخدام آلات عسكرية مأهولة بالبشر، كالطائرات المقاتلة الحالية، على سبيل المثال. ولا يمكن الاستغناء عن إبداع وخبرة أوكرانيا في المعارك لإعداد «الناتو» لذلك المستقبل.
وفتح «الكونغرس» الباب بالفعل. ويمثّل مشروع قانون «المصالحة الدفاعية»، الذي أقرته لجنتا القوات المسلحة في مجلسي النواب والشيوخ، البالغة قيمته 150 مليار دولار، والذي يخصص استثماراً تاريخياً للطائرات بدون طيار والأنظمة غير المأهولة، فرصة نادرة.
فمن خلال إنشاء مشاريع مشتركة بين الولايات المتحدة وأوكرانيا، يمكن للغرب تسريع دمج الطائرات بدون طيار المتطورة في قوات «الناتو»، وكذلك إنشاء قاعدة إنتاج مرنة قادرة على التفوق على روسيا وردع المزيد من العدوان.
وكشفت الحرب في أوكرانيا عن الضعف والهشاشة والفرص في الصراعات الحديثة. وتركز توغلات طائرات «الدرون» الروسية في أراضي دول حلف شمال الأطلسي مدى الحاجة لتطوير التسليح لمواجهة الوضع الراهن. وتشير وتيرة الابتكار في أوكرانيا إلى الحل. ولم يعد الأمر يقتصر على إبقاء أوكرانيا في ساحة القتال فحسب، بل يتعلق أيضاً بإعداد الغرب لحروب الغد.
وتمتلك الولايات المتحدة الموارد، وتتمتع أوكرانيا بخبرة ميدانية واسعة، ولديهما معاً فرصة لإعادة تعريف الردع في عصر الطائرات بدون طيار.
ولكي تنجح هذه الشراكة، ستحتاج كييف إلى تعزيز قدرتها الحربية مع الإصلاح السياسي.
ويجب التخلص من العقبات البيروقراطية التي تعرقل دخول الاستثمارات الأجنبية والتعاون في قطاع الدفاع. وأثبتت أوكرانيا قدرتها على تكيف صناعتها الدفاعية، وبسرعة استثنائية، مع الظروف المتعلقة بالحرب. والآن يتعين عليها تطبيق هذا التحرك السريع على صناعة سياستها، وبالتالي فإن براعتها الاستثنائية في ميدان المعركة، يمكن أن تساعد على ضمان مستقبل حلف شمال الأطلسي. عن «ذي ناشونال إنترست»
• أميركا بصناعتها الدفاعية الضخمة وجيشها المتطور، واجهت صعوبة في التكيّف مع الواقع الجديد للاستخدامات المتعددة لطائرات «الدرون».
• أوكرانيا أثبتت قدرتها على تكيّف صناعتها الدفاعية، وبسرعة استثنائية، مع الظروف المتعلقة بالحرب.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة الامارات اليوم ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من الامارات اليوم ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.