في الجزء الأول من هذا المقال تطرقنا للحديث عن أسباب رفض البعض في الغرب لصفقة الاستحواذ على شركة EA من قبل صندوق الاستثمارات السعودي وشركاء آخرين، والآن سأتناول بالتفصيل ما هي الإيجابيات والسلبيات المحتملة لصفقة الاستحواذ هذه.

الإيجابيات المحتملة لعملية الاستحواذ السعودي على EA

رغم حجم القلق الدولي، لا يمكن تجاهل وجود تحليلات ووجهات نظر تشير إلى جانب مشرق أو إيجابي محتمل لهكذا استحواذ. هذه الإيجابيات تنعكس في تنامي النظرة الواقعية لدى بعض المحللين، بل واللاعبين أنفسهم، ممن يعولون على أن الانتقال للقطاع الخاص والدعم المالي السيادي قد يحمل آثارًا محفزة لمستقبل الألعاب وإبداع الاستوديوهات. نلخصها فيما يلي:

التحرر من ضغط المستثمرين والرهان على الجودة

لطالما كانت EA، بوصفها شركة مدرجة في بورصة ناسداك، رهينة لضغوط المستثمرين الربعية، ما دفعها في كثير من الأحيان لاعتماد سياسات Business First: إصدار أجزاء سنوية، تقليل المخاطر الإبداعية، وتركيز الاستثمار في الألعاب ذات الإيرادات الحتمية الآنية وليس طويلة الأمد.

يؤكد المحللون، ومعهم بيانات رسمية للشركة، أن التوجه نحو الخصخصة يفتح الباب أمام استراتيجيات إنتاج طويلة المدى بلا قلق الأرباح الفصلية. يقول أندرو ويلسون المدير التنفيذي في تصريحه:

“سنواصل دفع حدود الترفيه والرياضة والتقنية وفتح آفاق جديدة. بالتعاون مع شركائنا، سنبتكر تجارب تحويلية تلهم الأجيال القادمة. أنا أكثر حماسًا للمستقبل الذي نبنيه.“

إن خروج EA من ضغط السوق العامة يمنحها حرية تامة في اتخاذ القرارات المتعلقة بتطوير وتجديد العلامات التجارية الشهيرة، بإمكان الشركة أن تراهن أخيرًا على مشاريع نوعية وترميم ثقة مجتمع اللاعبين.

إحياء السلاسل الكلاسيكية وتحسين محتوى الألعاب

يعتبر كثير من اللاعبين والمحللين أن أهم ما ينقص EA في العقد الأخير هو الاهتمام بالجودة وإحياء سلاسل اندثرت (Command & Conquer، Dead Space، The Sims…). وبهذا الدعم المالي الطويل المدى يمكن للشركة إعادة استثمار أرباحها في تحديث وإحياء هذه العلامات بمنظور تقني حديث؛ خاصة مع الرؤية السعودية في تشجيع المحتوى الترفيهي والثقافي وإثراء التنوع.

أشار تقرير صوت السعودية إلى:

“الاستحواذ قد يمهد الطريق لتطوير أجزاء جديدة من Dead Space 2 وربما يعيد كلاسيكيات EA المنسيّة للحياة“.

كما يشجع القطاع المالي الجديد على منح الاستوديوهات حرية إبداع أوسع – وهو درس ورد في تجربة SNK التي شهدت إطلاق استوديو داخلي جديد وتوسّعًا في الأسواق الآسيوية.

الابتعاد عن الجشع المفرط وإعطاء الأولية للسمعة

لطالما وُصفت EA بالجشع المفرط بسبب مبالغات المشتريات داخل الألعاب (Microtransactions)، وسياسات المال المستتر (Loot Boxes)، ما صورها لعقود باعتبارها “أسوأ شركة في أمريكا” في استطلاعات شهيرة. يرى بعض المراقبين أن اعتماد الشركة على تمويل طويل الأمد وغير مشروط – بعيدًا عن المستثمرين قصيري النفس – قد يدفع الجهة المالكة الجديدة لصياغة صورة إيجابية للألعاب والتركيز على السمعة والجودة، خاصة في ظل الضغط الاجتماعي واهتمام الصندوق السعودي بترسيخ مكانة دولية مرموقة.

ويزكي ذلك ما تحقق في SNK:

“لم تفرض إدارة SNK السعودية قيودًا على الحرية الإبداعية، بل أطلقت العنان لاستوديوهات كوف KOF Studio وتوسعت باتجاه سنغافورة وأسواق جديدة”.

تحفيز التصنيع والتنافسية الدولية

في ضوء توجه رؤية السعودية 2030، يأتي دعم EA كبوابة لتحويل المملكة إلى مركز محوري للألعاب الرقمية والترفيه، مما سيؤدي إلى نقل التقنيات وبناء بيئة أعمال جديدة، وخلق فرص وظيفية محلية في قطاع ناشئ دوليًا.

كما أن التركيز على تطوير البنية التحتية للألعاب والذكاء الاصطناعي والتقنيات المرافقة سيحفز الاستوديوهات العالمية لاستهداف أسواق جديدة في المنطقة، ما يخلق دائرة تنافسية ويثري التنوع في المنتج والترفيه.

السلبيات والانتقادات: تحديات أمام التغيير المنشود

رغم ورقة الإيجابيات، لا يستطيع حتى أكثر المدافعين عن الصفقة إغفال مجموعة من المخاطر والتحديات الحقيقية، نوجزها ضمن المحاور التالية:

استمرار سياسات الربحية المفرطة (Monetization)

تشير معظم التحليلات الغربية – خاصة من قبل المحللين الماليين – أن ضخامة الدين الجديد على EA، وحتمية تحقيق تدفقات نقدية قوية لسد التزامات القروض (20 مليار دولار)، قد تُحدِث مزيد من الضغط لرفع هامش ربحية الألعاب القائمة فعلاً والتي تحقق إيرادات ضخمة (مثل EA Sports FC أو Madden).

من المتوقع – حسب Forbes وNintendoLife وغيرها – أن تستمر EA في استغلال قنوات الربح داخل الألعاب (Microtransactions، Battle Passes، Ultimate Team)، بل وربما تزيد حدتها، نتيجة شرط تحقيق الربحية الجوهرية المستهدفة للخروج من دائرة الديون، وهو ما عبّر عنه أحد اللاعبين ساخرًا:

“هل ننتقل من الحصول على صندوق غنائم كل نصف ساعة إلى صندوقين مقابل مشاهدة إعلان لرؤية أندرو ويلسون يشرح سياسة الاهتمام باللاعب؟”

القلق من التوجيه الاستراتيجي والتدخل غير المرئي

تعتبر خشية اللاعبين والمراقبين الغربيين من أن يتحول الصندوق المالِك إلى فاعل مؤثر ولو تدريجياً في القرارات الإدارية أو حتى على صعيد المحتوى، مصدر قلق يصعب تبديده بالكامل، حتى مع الحديث المتفائل عن تجربة SNK.

هناك سيناريوهان بارزان:

• يتابع المالكون الجدد سياسة الإدارة عن بعد بلا تدخل، على غرار التصريح الشهير في SNK.
• أو قد تظهر ضغوط غير مباشرة في ملفات حساسة (كالقضايا الجندرية أو القيم الاجتماعية أو قضايا سياسية ذات بعد إقليمي)، ما يثير ارتياب فئة من المجتمع الغربي حول حدود الحرية الإبداعية الحقيقية.

قلة من المطورين، حتى داخل SNK، عبروا عن قلقهم – بشكل غير معلن – من أن “أي تغيير في المزاج الثقافي أو تحولات استراتيجية قد يؤدي مستقبلاً إلى قيود تدريجية على المشاريع المحفوفة بالمخاطر السياسية”. ويبقى هذا القلق، ولو محدودًا، حاضرًا بقوة في النقاشات.

خطر تخفيض التكاليف وتسريح الموظفين

هيمنة الدين المرتفع ترفع احتمالية اضطرار الإدارة إلى انتهاج سياسات خفض التكاليف وتسريح العمالة، خصوصًا مع حالة عدم اليقين في عوائد الألعاب الجديدة، وهو أمر حذرت منه تقارير عدة:

“النتائج الأولية لا تشير إلى استثمارات ضخمة وفورية في فرق جديدة، بل ربما تخفيضات لاحقة في بعض الاستوديوهات أو إلغاء مشاريع لم تحقق معدلات مردود كافٍ“.

وقد أشار تقرير GameRiv أيضًا إلى أن “الضغوط المالية لخدمة الدين قد تؤدي لتقليص ميزانيات المشاريع الطويلة/الجريئة لصالح التركيز على العناوين الصناعية ذات العائد السريع”.

ردود فعل اللاعبين: بين الحذر والتنقيب عن فرصة

نادرًا ما يُجمع مجتمع اللاعبين الدولي على موقف موحد تجاه حدث ضخم كهذا، لذلك تتباين ردود الأفعال بحدة بين التفاؤل والتحفظ – نورد هنا عينة معبرة:

يتبع…