في قلب كل علاقة بين أم وابنتها، يكمن نسيج فريد من اللحظات الصغيرة التي تصنع فرقاً كبيراً، ومع كل تحدٍ تمر به الفتاة في مرحلة المراهقة، تلك المرحلة الفاصلة بين الطفولة والأنوثة، تبقى نظرة الأم، ولمستها، وكلماتها الداعمة هي البوصلة التي تهديها في خضم التقلبات، فهي القدوة التي تُغرس من خلالها العادات، والمُلهم الأول في رحلة بناء الثقة بالنفس، وفي وقت تتزايد فيه التحديات النفسية والجسدية التي تواجه الفتيات، من ضغوط وسائل التواصل الاجتماعي إلى متطلبات الحياة المتسارعة، تبرز أهمية التوجيه الداعم والحنون، القائم على المعرفة والفهم العميق.

من هنا، تنطلق الدكتورة نيكول سيروتين، الرئيس التنفيذي لمعهد الحياة الصحية في أبوظبي (IHLAD)، برؤية متكاملة حول دور الأم في تمكين ابنتها لبناء أسس حياة صحية، نفسية وجسدية، تدوم مدى الحياة، وتؤمن بأن الوقاية تبدأ من المنزل، بالخطوات الآتية:
كوني القدوة، لا المُراقِبة

في مرحلة المراهقة، تتحول الفتيات إلى مراقِبات دقيقات لسلوك أمهاتهن، يتأثرن بما يرينه أكثر بكثير مما يستمعن إليه من نصائح مباشرة، فالتوجيه الحقيقي لا يُقال، بل يُعاش، لذا بدلاً من فرض القواعد الصارمة التي قد تثير التمرد، كوني أنتِ الرسالة التي ترغبين في إيصالها من خلال تفاصيل الحياة اليومية:
• الغذاء الصحي للمراهقة كقصة عائلية: لا تجعلي الطعام الصحي عقاباً، اجعلي المطبخ مساحة للمشاركة لا للأوامر، أعدّي وجبات متوازنة تحمل نكهة المنزل وذكرياته، كالمجبوس الغني بالخضروات الملونة أو شوربة دافئة، اشرحي لها سر اختياركِ للمكونات، وكيف أن كل لون في الطبق يروي قصة عن الفيتامينات والطاقة.
• النوم المنتظم كطقس مشترك: طبّقي روتيناً ثابتاً للنوم، واجعلي منه طقساً يومياً مريحاً، شاركيها عادات تبعث على السكينة، مثل إعداد كوب من شاي البابونج، أو القراءة معاً لمدة ربع ساعة، أو إطفاء الشاشات قبل ساعة من النوم في "غروب رقمي" متفق عليه، عندما تراكِ تضعين هاتفكِ جانباً، ستفهم أن الراحة أولوية حقيقية.
• إدارة التوتر كمهارة حياتية: الحياة مليئة بالضغوط، وعلميها كيف تواجهها بدلاً من الهروب منها، خصّصي وقتاً للمشي معاً بعد العشاء، فهو ليس مجرد رياضة، بل مساحة آمنة للفضفضة وتبادل الأحاديث بعيداً عن ضجيج اليوم، جربا معاً تمارين تنفس بسيطة للمراهقة لمدة خمس دقائق صباحاً، أو حتى هواية مشتركة كالعناية بالنباتات المنزلية.
• صورة الجسم الإيجابية كدرع واقٍ: في عالم مهووس بالمظاهر، كوني صوت الحكمة والقبول، تجنّبي تماماً التعليقات السلبية عن شكل جسمكِ أو جسمها، بدلاً من ذلك، تحدّثي بدفء عن تقدير الذات، وعن قوة الجسد وما يستطيع أن يفعله، فلترة الحوار حول الجمال مهمة أيضاً، ناقشي معها الصور غير الواقعية على وسائل التواصل الاجتماعي، وحوّلي النقد إلى فرصة لتعزيز التفكير النقدي لدى المراهقة.
فالمراهقة لا تحتاج إلى من يفرض القوانين، بقدر ما تحتاج إلى أم تجسّد رسالة الحب والوعي.
تحدثي عن الهرمونات: اكسري حاجز الصمت
قد يكون الحديث عن هرمونات المراهقة محرجاً، لكن الصمت عنه أكثر إرباكاً للفتاة التي تعيش تقلباته يومياً، ابدئي الحديث ببساطة وثقة: "هل لاحظتِ أن مزاجكِ يتغير بسرعة مؤخراً؟ هذا طبيعي جداً، وجسمكِ يقوم بعمل رائع لينمو"، قد تشعر ابنتك بالحزن أو الغضب دون سبب واضح، أو تعاني من حب الشباب الذي يؤثر على ثقتها بنفسها، أو عدم انتظام الدورة الشهرية الذي يثير قلقها.
اشرحي لها بلغة مبسطة أن هذه التغيرات مرتبطة بالهرمونات، وأن جسدها الذكي يستعد لمرحلة جديدة، الأهم من ذلك، زوّديها بأدوات عملية للتعامل مع هذه التغيرات:
• النوم الجيد هو بمثابة "إعادة ضبط" طبيعية للهرمونات.
• الغذاء المتوازن، الغني بالألياف والدهون الصحية، يحسن الحالة المزاجية ويخفف من الالتهابات.
• الحركة المنتظمة ليست فقط للرشاقة، بل هي أفضل علاج طبيعي لتخفيف التوتر عن المراهقات وإفراز هرمونات السعادة.
• علميها أن تكون لطيفة مع نفسها في الأيام الصعبة، وأن كوباً دافئاً أو حماماً مريحاً قد يصنع فرقاً كبيراً.
افتحي باب الحوار من دون أحكام، وطمئنيها بأن ما تمر به ليس ضعفاً، بل جزء طبيعي من رحلة النمو، وأن فهم جسدها يمنحها قوة ووضوحاً.
ركزي على العادات، لا الوزن

حين يقع الحديث في "فخ الميزان"، قد تشعر الفتاة بالخجل أو النقص أو حتى تبدأ علاقة مضطربة مع الطعام، بدلاً من التركيز على الأرقام، غيّري زاوية الرؤية تماماً: اجعلي الصحة مرادفاً للطاقة، للحيوية، للقدرة على الاستمتاع بالحياة.
• تناول الطعام لتغذية الجسد والروح: حوّلي مفهوم الأكل من مجرد سعرات إلى مصدر للطاقة، اختاري أطعمة ملونة وموسمية، وشاركيها إعداد "سلطة قوس قزح" أو عصائر طبيعية، علّميها أن تستمع لجسدها: أن تأكل حين تجوع، وتتوقف حين تشبع.
• النشاط البدني كمتعة ومغامرة: ابحثا عن أنشطة ممتعة تتجاوز فكرة "التمرين"، جربا جولة بالدراجات الهوائية عند غروب الشمس، أو خصصا قائمة أغانٍ للرقص الحر في غرفة المعيشة، أو حتى التجول في سوق المزارعين المحلي، الهدف هو ربط الحركة بالفرح لا بالواجب.
• تقدير الجسد لما يفعله، لا لما يبدو عليه: امدحي قوتها وقدرتها على التحمل، ركزي على ما يستطيع جسدها فعله، لا كيف يبدو، امدحي ذكاءها، إصرارها، لطفها، وضحكتها، ذكّريها أن قيمتها الحقيقية تكمن في جوهرها، لا في مقاس ملابسها.
بهذه الطريقة، ستشعر ابنتك بأن الصحة ليست حكماً خارجياً يصدره الآخرون، بل خيارٌ واعٍ نابعٌ من حب الذات واحترامها.
هل تهمك نصائح فعالة لتربية المراهقات؟
اجعلي النوم أولوية قصوى
النوم هو البطل الخارق المجهول لصحة المراهقين. في هذه المرحلة الحساسة، النوم ليس ترفاً، بل ضرورة بيولوجية، فهو يعزز نمو الدماغ، ويوازن الهرمونات، ويدعم الذاكرة والتعلم، ويساعد على الاستقرار العاطفي.
كيف تبنيان أساساً للنوم الهادئ؟
• الغروب الرقمي (Digital Sunset): اتفقا على إيقاف تشغيل الهواتف والأجهزة اللوحية للمراهقين قبل ساعة من موعد النوم، اشرحي لها كيف أن الضوء الأزرق المنبعث من الشاشات يعطل إنتاج هورمون النوم (الميلاتونين).
• الطقوس المهدئة: ناقشي معها روتيناً ليلياً يساعد على الاسترخاء، مثل تخفيف الإضاءة، أو أخذ حمام دافئ، أو استخدام زيوت عطرية مهدئة كاللافندر.
• بيئة نوم مثالية: تأكدا من أن غرفة نومها مظلمة، هادئة، وذات درجة حرارة معتدلة.
• كوني النموذج: إن رأتكِ تُغلقين هاتفكِ باكراً وتستعدين للنوم بهدوء، ستكون أكثر قابلية للاقتداء، اجعلي النوم جزءاً من ثقافة حب الذات في منزلكِ، وليس مجرد التزام.
مكّنيها، لا تثقلي كاهلها

الهدف ليس الوصول إلى الكمال، بل بناء الاستمرارية، ساعديها على تصميم نظام بسيط ومرن يمكنها الالتزام به دون أن تشعر بالضغط أو الفشل عند أول عثرة، الهدف هو بناء بوصلتها الداخلية، لا إعطاؤها خريطة جاهزة.
• أدوات بسيطة للوعي الذاتي: شجعيها على استخدام دفتر لكتابة مشاعرها، أو تطبيقات بسيطة لمتابعة المزاج، هذه الأدوات تساعدها على الربط بين عاداتها (النوم، الأكل، الحركة) وحالتها النفسية.
• فن الاحتفال بالانتصارات الصغيرة: "أعجبني أنكِ اخترتِ الماء بدلاً من المشروب الغازي اليوم!" أو "رأيتُكِ تأخذين نفساً عميقاً قبل الاختبار، هذه خطوة رائعة!"، هذه الملاحظات الإيجابية تعزز السلوك الصحي للمراهقات أكثر من أي انتقاد.
• أسئلة مفتوحة تحفز الحلول: بدلاً من إعطاء الأوامر، اطرحي أسئلة مفتوحة: "ما الذي تعتقدين أنه قد يساعدكِ على الشعور بتحسن؟" أو "كيف يمكننا أن نجعل الصباح أسهل؟"، هذا يعلمها مهارة حل المشكلات ويمكّنها من إيجاد حلولها الخاصة.
هكذا، تتحول العادات الصحية من واجب ثقيل إلى مساحة ممتعة لاكتشاف الذات وبناء القوة الداخلية.
تذكري: الرحلة مشتركة، والضعف قوة
الأم ليست فقط من تُعلّم، بل من تشارك الرحلة بكل صدق، في هذه الرحلة، ضعفكِ قوة، واعترافكِ بالخطأ جسرٌ للثقة.
• شاركيها إنسانيتكِ: احكي لها عن محاولاتكِ في تغيير عاداتكِ، وعن الأيام التي تجدين فيها صعوبة في الالتزام، هذا يجعل النصيحة أكثر واقعية ويُظهر لها أن السعي نحو الأفضل هو رحلة مستمرة للجميع.
• استمعي لتفهمي، لا لتردّي: عندما تتحدث، قاومي رغبتكِ في التصحيح الفوري أو تقديم الحلول، في كثير من الأحيان، كل ما تحتاجه هو أذن صاغبة وقلب متفهم، فقط استمعي.
• ذكّريها بأنها محبوبة لذاتها: فوق كل النصائح والإستراتيجيات لتربية المراهقات، يجب أن تشعر بأنها محبوبة دون قيد أو شرط، سواء نجحت في تطبيق عادة جديدة أم لا.
فالرسالة الأعمق والأكثر تأثيراً التي توصلينها هي: "أنا هنا، معكِ دائماً"، هذا هو الأمان الذي سيمكنها من مواجهة العالم بثقة.
من الأم إلى المعهد: يداً بيد نحو صحة مستدامة

إن دعمكِ لابنتكِ اليوم كما تقول الدكتورة نيكول سيروتين هو استثمار لا يقتصر على صحتها الجسدية والنفسية، بل إنه استثمار في علاقة تمتد العمر كله، وفي بناء امرأة قوية، واثقة من خطواتها، متصالحة مع جسدها، وقادرة على الإبحار في تحديات الحياة ببوصلة داخلية من الحكمة وحب الذات، تتابع قائلة: "العناية بالصحة ليست وجهة نصل إليها، بل هي رحلة مستمرة من الاختيارات اليومية الصغيرة، وعندما تكون الأم هي الشريكة في هذه الرحلة، فإنها لا تقدم لابنتها خارطة طريق جامدة، بل تعلمها فن قراءة بوصلتها الخاصة، تعلمها أن تتعثر وتقوم، وأن تحتفل بالتقدم لا بالكمال، وأن تجد في العناية بنفسها مصدراً للقوة لا عبئاً إضافياً".
لأنكِ الأساس، فإن كل عادة صحية تغرسينها اليوم، وكل حوار صادق تفتحينه، وكل لحظة حب غير مشروط تقدمينها، هي لبنة في صرح مستقبلها، إنها رحلة قد لا تكون خالية من العثرات، لكنها بالتأكيد رحلة تستحق كل جهد، لأن ثمرتها ليست فقط ابنة بصحة جيدة، بل هي جيل جديد من النساء اللواتي يمتلكن الوعي والقوة لصناعة حياة أفضل لهن ولمن حولهن، لتمكينهن بدءاً من الأسرة، بالأدوات والمعرفة اللازمة لتحويل الصحة إلى أسلوب حياة ممتع ومستدام، فصحة بناتنا اليوم هي صحة مجتمعنا غداً وأنتِ، أيتها الأم، حاملة شعلة البداية.
*ملاحظة من «سيدتي»: قبل تطبيق هذه الوصفة أو هذا العلاج، عليك استشارة طبيب متخصص

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة سيدتى ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من سيدتى ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.